عقيدة اهل الحق تنزيه الله عن الحيز و الجهة
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين و صلى الله على سيدنا محمد و على ءاله و صحبه الطيبين الطاهرين أما بعد:
يقول الله عز و جل في القرءان الكريم: ﴿ فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ﴾ و قال عز وجل:﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ﴾ و قال سبحانه و تعالى في القرءان الكريم :﴿ وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ﴾، ويقول الإمام البيهقي في كتابه الأسماء و الصفات: استدل بعض أصحابنا في نفي المكان عنه، أي عن الله عز و جل، بقول النبي صلى الله عليه و سلم :” أنت الظاهر فليس فوقك شىء و أنت الباطن فليس دونك شىء ” و إذا لم يكن فوقه شىء و لا دونه شىء لم يكن في مكان. و قد قال سيدنا علي ابن أبي طالب رضي الله عنه: كان الله و لا مكان و هو الآن على ما عليه كان، رواه عنه الإمام أبو منصور البغدادي. فكما صح وجود اللهِ تعالى بلا مكان و جهة قبل خلق الأماكن و الجهات كذلك يصِح وجوده بعد خلق الأماكن بلا مكان و جهة، و هذا لا يكون نفياً لوجوده تعالى. قال الإمام زين العابدين علي ابن الحسين ابن علي ابن أبي طالب رضي الله عنهم في الصحيفة السجادية المنقولة بإسناد متصل متسلسل إليه بطريق أهل البيت رضي الله عنهم: “لا يحويه مكان”، و قال الغزالي: “إن الله منزه عن المكان و عن جميع الأمكنة”، و قال الإمام علي ابن أبي طالب رضي الله عنه: “إن الله خلق العرش إظهاراً لقدرته و لم يتخذه مكاناً لذاته”، رواه عنه الإمام أبو منصور البغدادي.
و نرفع الأيدي في الدعاء إلى السماء لأنها مهبط الرحمات و البركات، و ليس لأن الله موجود بذاته في السماء كما أننا نستقبل الكعبة الشريفة في الصلاة لأن الله أمرنا بذلك، و ليس لأن الله ساكن فيها. فمن يعتقد بأن الله موجود بذاته في الجنة التي هي فوق السماوات السبع أو أنه فوق العرش يلامسه أو فوقه بالمسافة، أو إعتقد أنه بذاته في السماء أو في كل مكان أو في مكان معلوم أو في مكان مجهول فإنه كافر بربّه ليس بمسلم و لا مؤمن و إن زعم أنه مسلم مؤمن، إذ أنه من المعلوم القطعي أن الشخصَ لا يكون مسلماً لمجرد ظنه بنفسه أنه مسلمٌ، بل لا بد أن يخلو قلبه عن كل إعتقاد فيه نسبة النقص إليه سبحانه و تعالى. و لا يعذر في هذا الجاهل لجهله إذ أن نسبة الجهة و المكان لله تعالى تنقيص لله و تشبيه له بخلقه. فالجاهل الذي يزعم أنه يعبد الله و هو يعتقد بأن الله موجود بذاته في جهة من الجهات الست أو في مكان ما فهو بعيد عن الإيمان و هو يعبد مخلوقاً من حيث لا يشعر، إذا لو كان يعبد الله حقاً لنزهه عن الجهة و المكان. و قال الإمام التابعي الجليل ذو النون المصري رضي الله عنه: “مهما تصورت ببالك فالله بخلاف ذلك”، و قال الإمام أبو جعفر الطحاوي في العقيدة المشهورة: “لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات” أي أنه لا تحوي الله تعالى الجهات الست لأن هذا حال المخلوقات. فالحاصل أن من زعم أن الله يسكن في مكان فقد جعل الله جسماً أي شىء له طول و عرض و عمق و قال إمامنا الأكبر أبو الحسن الأشعري في كتابه النوادر: “من إعتقد أن الله جسم فهو غير عارف بربه و إنه كافر به.
و لقد قرأ بعض الناس قول الله تعالى: ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى العرش استوى ﴾ فتوهموا بأن المعنى أن الله جالس على العرش فكفروا و هم لا يدرون لأنهم جعلوا الله مخلوقاً و جعلوا له مكاناً يحتاج إليه و أثبتوا لله المشابهة لخلقه و التفسير الموافق للشرع و العقل و اللغة لقوله تعالى :﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾، أن يقال: الرحمن قهر العرش لأن القهر صفة كمال لله تعالى هو وصف نفسه بها قال جل شأنه:﴿ قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّار﴾، و ليس من مانع لغوي أو شرعي يمنع تأويل الإستواء بالقهر قال القشيري في التذكرة الشرقية: قوله على العرش استوى، قهر و حفظ و أبقى. و أما ما في صحيح مسلم من أن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فسأله عن جارية له قال قلت: يا رسول الله أفلا أعتقها؟ قال: إيتني بها، فأتاه بها فقال لها: أين الله؟ قالت: في السماء، قال: من أنا؟، قالت: أنت رسول الله، قال: اعتقها فإنها مؤمنة، فمعناه أن الرسول يسألها عن مكانة الله لا عن المكان لأنه يعلم أن الله موجود بلا مكان، فأجابته بما يعني أن الله عال القدر جداً. و لقد إفترى بعض الجهلة على الإمام أبي حنيفة فنسبوا إليه القول بإثبات المكان لله و هو مردود على من إفترى و إدعى، و كيف يصدق هذا و هو الإمام الجليل الذي قال في الفقه الأكبر ” و ليس قرب الله تعالى من قبيل المسافة و لكن على معنى الكرامة و المطيع قريب منه تعالى بلا كيف و العاصي بعيد عنه بلا كيف”. فبعد هذا البيان وضح أن دعوة إثبات المكان لله تعالى أخذاً من كلام أبي حنيفة إفتراء عليه و تقول عليه ما لم يقله. و كذلك ما نقله البيجوري عن الإمام الغزالي أنه قال عن الله تعالى ” فهو فوق الفوق ليس له فوق و هو في كل النواحي لا يزول” فإن هذا القول غير ثابت عن الغزالي و ليس بموجود في كتابه بل الموجود في كتبه تنزيه الله عن المكان و عن الجهات الست و هي فوق و تحت و أمام و خلف و يمين و يسار و قد قال الإمام أبو جعفر الطحاوي ” و من وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر” أي من وصف الله بصفة من صفات البشر فقد كفر و الإستقرار و الجلوس على العرش أو الكرسي و التحيز و السكنى في مكان من صفات البشر تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً و نسأل الله حسن الحال و الختام و نسأله أن يثبتنا على إعتقاد النبيّ و الصحابة و السّلف و الخلف إنه على كل شىء قدير و الحمد لله رب العالمين.ُ
You must be logged in to post a comment.